من كتابي( ومضات نورانية من حياة سيد البشرية)
الحلقة الثالثة
جاء الزلزال من جنوب الجزيرة ، من اليمن حيث يحتلها الأحباش وقائدهم
الأشرم أبرهه الذي قرر أن يقود جيشاً لهدم الكعبة بمكة ليحج الناس إلى
كعبته الإصطناعية " القليس " ! إنها القوة الغاشمة التي جيشت الجيوش ورسمت
الخطة للقضاء على قريش وهدم الكعبة! ها هو الفيل يتقدم الجيش فى سابقه
تعد الأولى فى التاريخ القرشى أن يهاجم جيش دولة قريش! اعتادوا حروب
القبائل وإن امتدت عشرات السنين! ولكنهم لم يألفوا هذا النوع من الجيوش
المنظمة ويتقدمها هذا السلاح الجديد.. الفيل .
كانت أخبار جيش أبرهه
تسبقه فتثير الرعب فى قلوب أهل مكة ! إنها الزلزال الذى يهز القلوب والأنفس
لتحفر أخاديد الذكريات التى لا يمحوها الزمن! .
كان الفيل يتقدم الجيش
مسرعاً ولم لا ؟! إنه ذاهب إلى مكة حيث البيت الحرام ، فقد من الله عليه
دون الفيلة أو قل قد أنابه الله عن كل الفيلة ليحج إلى البيت الحرام !وهيأ
له الأشرم الفرصة ! الفيل يلبى طوال طريقه .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا
شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك ..لا شريك لك .
لذلك فهو
يسرع نحو مكة فالقلب يهفو إليها والعين تحلم برؤية الكعبة والوقوف أمامها
ولو للحظات لنيل النعمة الإلهية! والأشرم ورجاله فى غاية السرور، فحيوية
الفيل ونشاطه شجعهم على حلم العودة منتصرين بعد تدمير الكعبة لتبقى كعبتهم
الإصطناعية محط الأنظار وحلم الحجيج !.
هيأت مكة نفسها لهذا الغزو
بطريقة لم تفعلها من قبل! فقد قرر أهلها أن يتركوها خالية ويفروا إلى
الصحراء والجبال المحيطة حتى ينتهى أبرهه وجيشه من مهمته المزعومة! .
لقد شعر أهل مكة أن الأمر ليس بالهين ولا بالمألوف فقابلوه بهذا التصرف
الغريب! تركوا بيوتهم وتركوا الكعبة بيت الله الحرام وحيدة أمام جيش جرار!
إنها الأحداث الجسام تحفر لنفسها مكاناً فى نفوس وعقول الرجال والأطفال!
هذه الأحداث العظيمة التى سطرها القدر أخفى الله حكمتها عن أهل مكة ! لم
يشأ الله أن يأتى إليهم الروم بصلبانهم وإنجيلهم حتى إذا ظهر فيهم رجل يقول
" اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " فيقول قائلهم تعلم هذا من قساوسة
الروم ورهبانهم! فكان هذا الجيش الذى يعرفه العرب جميعا باحتلاله اليمن
فدخلوا مكة بلا مقاومة من بشر! تعجب الأشرم فى نفسه وسأل نفسه سؤالاً حيره
كثيراً .
- كيف تركوا له مكة دون قتال ؟!
- كيف يستسلم القرشيون وقد اشتهروا بهذه الكعبة وعرفوا بها بين العالم ؟!
أسئلة تعجبية كثيرة وسط دهشته ودهشة جنوده! ولكن كيف لحبشى أشرم أن يفهم
حكمة الله ؟ وازداد تعجبه لقدوم سيد قريش عبد المطلب بن هاشم فظنه جاء يكتب
صلحاً أو استسلاماً ! ولكنه عبد المطلب يا أبرهه! إنه سيد قريش وكبيرها
فهل يأتى إليك ليعقد صلحا أو يكتب وثيقة استسلام؟! إنه الأمل الكاذب فى عقل
إبرهه بدده طلب عبد المطلب بأن يرد عليه أبله التى استولى عليها جنوده!
عندها سأله أبرهة الحبشى عن البيت الذى جاء لهدمه فرد عليه السيد القرشى
كلمته الخالدة خلود حفيده القادم :
- " للبيت رب يحميه "
بكلمة
السيد القرشى بدأ الزلزال يتحرك وثار بركان غضب أبرهه وتقدم الفيل مسرعاً
نحو الكعبة فصاح جنود أبرهه بالفرح لأن الفيل فى طريقه لهدم الكعبة ، ولكن
الفيل أسرع ليلقى نظرة على بيت الله الحرام! فقد اصطفاه الله من بين الفيلة
لزيارة بيته الحرام فهل يضيع لحظة للنظر إلى البيت والوقوف أمامه وذكر
الله وتسبيحه فى هذا المكان الطاهر؟! يتمنى الفيل لو يطوف حول الكعبة ويهدم
تلك الأصنام ولكن الإذن الالهى حدد له المكان الذى يقف فيه ليسبح الله
ويذكره أمام الكعبة ويستمتع بالنظر إليها !.
بدأ جنود أبرهه يضربون
الفيل ليحطم الكعبة ولا يبالى بضربهم وظل فى تسبيحه ونظره إلى الكعبة! ظن
الظالمون أن الفيل قد شل فأداروه وجعلوا دبره ناحية الكعبة وضربوه فأسرع
باكياً لفراقه الكعبة! فأعادوه مرة أخرى فسار حتى وقف فى مكانه المختار له
من قبل رب الكعبة فنظر إليها فى إجلال وخشوع وتقديس وظل يسبح ! كرروا معه
فعلتهم الأولى فأسرع باكياً! ظلوا يكررون الأمر حتى فقدوا صوابهم فأنتقموا
منه فقتلوه شهيدا ! وكأن الفيل دعى ربه لينتقم من هؤلاء الكفرة الفجرة وأن
يحمى بيته الذى استشهد فى سبيله! فانفتحت أبواب السماء بطير تحمل فى
مخالبها حجارة من سجيل فكانت الهزيمة المدوية والمدونة فى سجلات التاريخ ،
وكرم أهل مكة الفيل الشهيد فسموا العام عام الفيل وكرم الله الفيل فأنزل
سورة كاملة بإسمه! وهنا قاربت الأحداث الإكتمال وأصبح بزوغ النور على مقربة
من البشرية .
× بشرى النـور :
لكل شىء جميل فى الكون بشرى . فما بالك و القادم من الله لعباده نور؟!
حملت آمنة بنت وهب نور زوجها عبد الله بن عبد المطلب وتركها ليخرج فى رحلة
تجارية كما اعتاد قبل زواجه فوافتة المنية بعيداً عن زوجته الشابة !.
حزنت الزوجة الشابة لوفاة زوجها الشاب فتحرك الجنين فى بطنها فاطمأن قلبها
وسكن حزنها ! فها هى تحمل فى أحشائها عوضاً لها عن أبيه ولكن من أدراها أن
يكون ولداً ؟!.
استبد بها القلق ! هل ستلد ولدا أم بنتا ؟ تتمنى أن
يكون ولداً لترى فيه زوجها الشاب لينجب ذرية كثيرة ليخلد اسم أبيه! أما إذا
كانت بنتا فإنها النهاية لاسم زوجها عبد الله ! .
كان عبد المطلب
يشاركها هذا الإحساس ولو لم ينطق به ! لقد فقد ابنه عبد الله فى وقت لم
يتوقعه أبداً لظروف فدائه وتذكر قصة اسماعيل مع أبيه ابراهيم عليهما
السلام!.
بدأت البشرى برؤيا تراها آمنة أنها ستلد ولداً وتسميه محمداً ،
أخبرت عبد المطلب فكاد يطير فرحاً وتعجباً! إن هذا الاسم غير منتشر فى مكة
أو الجزيرة! فرح عبدالمطلب فرحتين أولهما أن الحفيد القادم ذكراً وثانيهما
أن اسمه يحمل معانى الحمد فشعر أن المولود القادم سيكون له شأن عظيم !لكنه
لم يتخيل أن يتردد اسمه نفسه- عبدالمطلب-على مدارالزمان .
× مولد النور :
أيقنت الأم الأرملة والجد المكلوم على ابنه الشاب أن المولود ذكراً والعرب
تفتخر بالذكور كما يشتهرون بوأد البنات !ولكن ليس عبد المطلب الذى يفعل
ذلك فله البنات كما له البنين ويفتخر بهم جميعاً وانتظرا وقت ولادته ليتحول
اليقين الداخلى إلى واقع ملموس.
حانت لحظة الولادة ليقع المشهد الخالد أمام الحاضرين .. فأولى العزم من الرسل لهم عند ولادتهم ذكريات تنبىء عن شىء عظيم لهم.
موسى عليه السلام عندما ولد كان أسمر اللون عكس هارون أبيض البشرة ولكن
الله أراده أسمر اللون ليلتقطه آل فرعون بعدما ألقت به أمه فى اليم خوفاً
عليه من بطش هامان وجنوده بعد ما أمر فرعون مصر بقتل من يولد لبنى اسرائيل
من الذكور! أمر حيّر الأم كثيراً أن يكون ابنها أسمر اللون! ثم تلقيه فى
اليم حيث الموت ولكن ليحيا! لذلك لم يكن المولود عادياً بل أصبح نبى الله
موسى عليه السلام !.
و عيسى عليه السلام نطق بمجرد خروجه للدنيا بلا
أب! كان حمل السيدة مريم به آية أعلنها الله فى القرآن ليعلن براءتها من كل
افتراء ! فاختصها وحدها دون نساء البشر بذكر اسمها صريحاً ! فها هو ابنها
الوليد يعلن أنه عبد الله ورسوله لمن هاجم أمه من أهلها وأراد أن يرميها
بالصفات الرذيلة !.
وها هو محمد بن عبد الله يخرج للدنيا ساجداً !
وتذهب جارية أبو لهب تبشره بمولد ابن أخيه عبد الله فيفرح فرحاً شديداً من
قلبه وإكراماً له يعتق تلك الجارية والجد يحضر مسرعاً ليلقى نظرة على حفيده
الذى رأى فيه عوضاً عن أبيه الراحل وابتسمت الأم وهى ترى فرحة آل عبد
المطلب بابنها الوليد وتنهدت وهى تقول فى نفسها
- إنه سيغنيها عن أبيه المتوفى فى ريعان شبابه .
والعباس بن عبد المطلب أكثر الأبناء سروراً فقد أصبح له رفيقاً بعد ثلاث
سنوات من الطفولة الوحيدة بل وينتظر زوجة أبيه أيضاً! ابنة عم آمنة زوجة
أخيه ، فهى الأخرى حامل على وشك الوضع وتمنى لو يكون أخاً له ، وفرح
أبوطالب بذلك فقد صار لعبد الله ابنا يحمل اسمه، فرح آل عبد المطلب فرحاً
لا يوصف بمولد محمد بن عبد الله .
كان أشراف مكة يفضلون إرسال أولادهم
للرضاع فى البادية لدى المرضعات في البادية لجوها النقى والهواء الطلق
واللغة العربية السليمة ، واشتهرت بعض القبائل بالمراضع وكانت قبيلة بنى
سعد من تلك القبائل، فأتت المرضعات إلى مكة يتلمسن الأطفال الرضع وكل واحدة
منهن تأمل فى الرضيع ابن الأغنياء ويبتعدن عن اليتامى لقلة عطاء أمهاتهن
ولأن الآباء أكثر الناس فرحاً بالأبناء وأكثرهم عطاءً .
الكتاب:ومضات نورانية من حياة سيد البشرية
الكاتب:محمد فؤاد ابو بطه
الطبعة:الأولي 2009
رقم الإيداع: 2009/7680
ترقيم دولي:3-6857-17-977
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق