مجلة الأدهم للشعر والادب رئيس مجلس الادارة الاستاذ أدهم السعيد 

الاثنين، 18 أبريل 2022

د.غادة ناجي طنطاوي تكتب قصة حقيقة بعنوان "عزيز في الجنة "


 عزيزٌ في الجنة. (قصة حقيقية)


د. غادة ناجي طنطاوي. 


أرجو من جميع من يقرأ مقالي هذا أن يدعو لفقيدي بالرحمة


إسمحوا لي اليوم بأن أخرج عن نطاق أبطال أثروا في التاريخ، لأتحدث عن بطلٍ أثر في أنا شخصيًا وإن كان ليس بشخصيةٍ سياسية أو تاريخية. ولكن مازال قلبي يبكيه بحرقة أمٍ مكلومة حتى اليوم..


عرفته شابًا في مقتبل العمر، إَكْتَسَتْ بشرته بسمار شمس الرياض، ملامح وجهه هادئة كطبعه، لم يأخذ من رعونة الشباب شيئًا سوى خفة الظل، كان نعم الأخ السند، الصديق الوفي والإبن البار، لكن سعادتي بهذا الإبن لم تدم طويلًا.

قَدَّرَ البارئ، وله الحمد على ماشاء وكان، بين ليلةٍ وضحاها، أصيب بطلي بالمرض اللعين، وتوالت الأحداث سريعًا.. عشنا سلسلةً من الكوابيس ظننا بأنها لن تنتهي، سرقت منا حتى الإحساس بهول الفاجعة، كلما انتهى كابوس واستبشرنا خيرًا، تأتينا الأيام دولاً لتسرق منا الفرحة.


و هكذا بدأ الكابوس:

٢٠١٠- أول عملية لبتر الساق، ٢٠١١- ثاني عملية في محل البتر، ٢٠١٢- العملية الثالثة في الرئة لإستئصال خلايا سرطانية، ٢٠١٣- عملية في البلعوم، تلتها خمس عمليات جراحية لخطورة الحالة. وبين عمليةٍ وأخرى أكثر من جلسة تداوي بالإشعاع والعلاج الكيميائي. وبالرغم من كل تلك الألآم التي عشناها في أقسى ليالي الشتاء بالولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن وجه بطلي كان مشرقًا، تعلوه إبتسامةٌ فلقت حجر اليأس فينا، فانفجرت منه أمالًا جديدة لحياةٍ لاح الفرح في آفاقها سويعاتٍ قصيرة، سبع سنوات مرت علينا دهرًا طويلًا تطير بنا طيور الفرح عالياً تارةً، عندما يخبرنا الأطباء بأنه تماثل للشفاء، وتعصف بنا رياح الخيبة تارةً أخرى عندما يعود شبح المرض ويسكن جسد بطلي، لنعاني من جديدٍ ما قد نسيناه. كان الأطباء في سباق مع الزمن ضد هذا المرض اللعين، الذي كان أسرع من مشرط أمهر الجراحين في العالم، وصلنا لنهاية طريقٍ وعر أنهك القوة فينا، واستنزف الصبر منا. إنتهى بنا المطاف في ألمانيا، وتكررت الأحداث مجددًا، كأنها شريط لفيلم مرعب من تاريخ الذاكرة.


لفظ حبيبي وإبني أنفاسه الأخيرة، شاهدًا موحدًا مؤمنًا بقضاء مولاه، راضيًا بقدره، في الواحد والثلاثين من شهر مايو ٢٠١٦، بعد صراعٍ طويل بدأ، مذ كان في العشرين وانتهى في الثامن والعشرين من عمره. وارينا جثمانه التراب، و دفنت معه كل حلم بأن يعود إلي سالمًا معافى. حُرِمْتُ سنينًا طويلة أن أعيش إحساس العمة أو الخالة، ولم أعرفه إلا مع أبناء هذه الصديقة، لقربي الشديد من تلك العائلة التي إحتوتني وعاملتني كإبنةٍ لها.

أسدل موته الستار على مأساةٍ إستعمرت عقلي، غزت فكري ورمت قلبي بسهام يأسٍ أصابتني في مقتل، وبات الحزن سمًا جرى مجرى الدم من الوريد، لكن لم يستطع شبح موته أن يقبض روح ذكراه العطرة، عزيمته القوية ومحياه المتفائل من مخيلتي، خصوصًا صوته وهو يقول لي: " أنا بخير يا خالتي غادة، طمني أمي".


حبيبي فليطمئن قلبك براحة دعائي.. لا أملك من أمري سوى أن أتجه إليك يا ربي الواحد الأحد.. يا واسع الفرج.. يا عالٍ بلا درج.. يا من شققت البحر لموسى حتى خرج. أسألك بتسعٍ وتسعين إسمًا، إذا سؤلت بها أعطيت وإذا دعيت بها أجبت، منها رحمانٌ رحيم، أن تتغمد بطلي بواسع رحمتك.. وتدخله جنتك بلا حساب ولا سابقة عذاب، تسع وتسعون إسماً منها الجبار المتعالي، إلهي إنه في حلٍ منا، فتعالى عن ذنوبنا وأجبر كسري فيه، أنزل السكينة على قلبي الملتاع وأنزله منزلة الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.. وأجمعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.


بطلي اليوم يا سادة هو إبنٌ لا يجود الزمان بمثله.

إبني وحبيبي "عبدالعزيز سامي المسعود" رحمة الله عليه، لا أراكم الله مكروهاً في عزيزٍ لديكم، ولا ابتلاكم في غالٍ عليكم. الفاتحة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1).

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ( 6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) آمين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق